درس أهلاوي لاذع..!

2023-01-23 18:13
لقطة من مواجهة الأهلي والزمالك في الدوري المصري 2022-23 (facebook/ Officialahlysc)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

المعركة الشائكة في كرة القدم حاليًا هي معركة خط الوسط، كلما كان وسط الملعب قويا ومتوافقا ومنسجما، كان الفريق متماسكا فنيا وصلبا تكتيكيا ومنتجا ذهنيا.

هذه القاعدة الذهبية تنبه لها السويسري مارسيل كولر، مدرب الأهلي، وتغاضى عنها البرتغالي جوسفالدو فيريرا، مدرب الزمالك، فكسب الأول الحرب السيكولوجية في شوط المدربين، وخسر الثاني حوار الخبث التكتيكي في شوط عبث فيه لاعبو الأهلي بلاعبي الزمالك كما يشاؤون.

في شوط اللاعبين لجأ كولر إلى حيلة التريث والتخدير وجرجرة فيريرا إلى لعبة جس النبض الطويلة والمملة، ولم يكن هذا التخدير الموضعي سوى مهارة ذهنية لاستكشاف نوايا الزمالك ونقاط ضعفه.

احتفظ كولر بصيغته التكتيكية المعتادة 4/2/3/1، ورغم الغيابات الوازنة في عمق الدفاع فإن الأهلي بدأ كمن تعاطى جرعة نفسية مذهلة منحت مدربه مغامرة الاعتماد على الوافد الجديد خالد عبد الفتاح في محور الدفاع، رفقة المخضرم رامي ربيعة. 

ومن دون سابق إنذار تخلى فيريرا عن تميمته التكتيكية المعتادة التي تتأسس على قناعات أن الانتصار والثبات في المستوى يبدأ من الدفاع، فتخلى عن 3/4/3 بالاعتماد على نظرية الهرم المقلوب 4/3/3.

كان كولر ذكيا عندما تفطن في الشوط الثاني للخلل الواضح في عمق دفاع الزمالك البطيء، وما زاد طين الزمالك بللا أن فيريرا لعب بعمق دفاعي متقدم ومتنافر تغيب عنه استراتيجية التوازن وتبادل الأدوار. 

يُحسب لمدرب الأهلي أنه خدع مدرب الزمالك بحيلة الركض من الرواقين، في حين كان يجهز لضربته ومفاجأته التكتيكية من محور الوسط، وهي حيلة بارعة لم تخطر على بال "الزملكاوية" مطلقا.

كان البارع حمدي فتحي -الفراشة ذات الألوان التكتيكية المتلونة- يلتهم مساحة شاسعة في الثلث الخلفي لدفاع الزمالك، نتج عنه تسجيل الأهلي لثلاثيته الصاعقة عن طريق محمود كهرباء والمخيف محمد شريف في مناسبتين، وكان حمدي فتحي القاسم المشترك في الأهداف الثلاثة. 

وإذا كان فيريرا الذي نال الموسم الماضي لقب البروفيسور قد عجز عن اختراق جبهة الأهلي طولا وعرضا؛ بسبب مأزق الفجوة الدفاعية، إلا أنه أضاف إلى هذا الرسم القاتم غير الفعال متاعب وأعباء أخرى عرت ما تبقى لخط الدفاع من أوراق التوت. 

أقدم فيريرا في لحظة غريبة على نزع ظهيره الأيمن القوي التونسي (المثلوثي) الذي أوقف جبهة علي معلول وأحمد عبد القادر في الشوط الأول، مقحما عمرو جابر، فكان كمن نزع عن الجهة اليمنى كل ألغام التوغل، بدليل أن الإشارة في هذه الجهة تحولت من الحمراء إلى الخضراء، ومنها جاء هدف الأهلي الثالث بفضل توغل معلول.

كتب فيريرا شهادة وفاة الزمالك فنيا وتكتيكيا ونفسيا؛ لأنه أولا لعب بفريق يعاني من شرخ نفسي واضح، وثانيا لأنه لم يقرأ قدرات فريقه جيدا، مثلما أنه لم يدرس الأهلي ولم يحسب حسابا للفخ التكتيكي الذي نصبه كولر في شوط المدربين.

لقد خيَّب فيريرا ظن من كان يعتقد أن مباراة القمة بين الزمالك والأهلي ستلعب على جزئيات صغيرة، من منطلق أن التضارب الكبير في التكتيك جاء غريبا، فانعكس بالتالي على إيقاع اللعب نفسه، وعلى سلبية رد الفعل، وعلى تباعد خطوط الفريق وتفككها.

يحسب لكولر أنه لم ينزعج لغياب تسعة لاعبين مؤثرين في منظومة اللعب، ويحسب له أيضا أنه توغل بذكاء إلى أعمق أعماق كل لاعب؛ لذا بلغ منسوب تركيز اللاعبين الدرجة القصوى. 

ومن شاهد قلة حيلة لاعبي الزمالك وترهلهم فنيا وذهنيا سيقتنع فعلا أن لاعبي الزمالك يفتقرون للياقة النفسية، وهو عامل حساس أثر في الأداء بشكل واضح، تجلى ذلك في انعدام شبه كامل للشراسة، وضعف في الرقابة، وقلة تركيز على مستوى ضبط إيقاع اللعب. 

وإذا كان تحريك الكرة في البناءات الهجومية عند كولر يتم تدريجيا من وسط ميدان الأهلي حتى إنهاء العمليات بسلاسة، فإن قوة هذا الطرح في مفكرة كولر كان في إيقاعه السريع الذي يعتمد أساسا على التمرير الطويل في ظهر دفاع الزمالك بأسلوب السهل الممتنع. 

عموما أنصفت الكرة فريق الأهلي؛ لأنه سعى وخطط ودبر للفوز بحشد ما تيسر من قوته الفولاذية، فيما تلقى الزمالك "درسًا أهلاويًا" لاذعًا لن يمر مرور الكرام دون تقديم كبش فداء يمتص صدمة الثلاثية القاتلة.

شارك: