توماس باخ وأولمبياد باريس.. عين في الجنة وعين في النار!

تحديثات مباشرة
Off
2023-04-15 15:04
توماس باخ رئيس اللجنة الأولمبية الدولية (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

مشكلة توماس باخ، رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، لم تعد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ما دام الأمر انتقل من مقر اللجنة الأولمبية إلى المعسكر الغربي المعارض للحرب الروسية الأوكرانية.

وترى دول من الوزن الثقيل مثل أمريكا وألمانيا وبريطانيا أن اللجنة الأولمبية الدولية تتلكأ في اتخاذ قرار قاطع بمعاقبة الرياضيين الروس والبيلاروس، ولو تطلب الأمر من توماس باخ أن يبل ميثاق الشرف الأولمبي ويشرب ماءه.

وعندما خالف توماس باخ ظنون دول الناتو معلنًا أن اللجنة الأولمبية الدولية تدرس بجدية مشاركة الرياضيين الروس والبيلاروس في دورة الألعاب الأولمبية القادمة بباريس صيف العام القادم، جن جنون الدول الكبرى المعارضة للسياسة الروسية، فأقاموا الأرض ولم يقعدوها ضاربين بالمبادئ الأولمبية للبارون بيير دي كوبرتان عرض الحائط.

ولم يكن توماس باخ ليعلن عن نية مشاركة الرياضيين الروس والبيلاروس تحت علم اللجنة الأولمبية الدولية وليس العلمين الروسي والبيلاروسي، لولا أنه يطبق مبادئ الميثاق الدولي، وهي مبادئ تُحرِّم وتجرم تسييس الألعاب الأولمبية تحت أي ذريعة.

وإذا كان السياسيون حول العالم يرون في الدورات الأولمبية مجرد لسان لهب ينطلق من فوهة معدنية لا تستحق عناء مشاكستها أو إطفائها بالمكايدات السياسة، حيث تتم تصفية حسابات الفرقاء والأصدقاء الأعداء داخل قرية الرياضيين، فإن الأمر الأكثر إزعاجًا أن الصبغة السياسية تبدو اللون المفضل لأولمبياد باريس.

يعرف الفرنسيون قبل غيرهم أن شعلة أولمبيادهم مستهدفة من الأصدقاء و الأعداء على حد سواء، ويعلمون أن هناك من المتربصين بباريس لا يضبطون حدود المنابر، فينفخون في المجامر طمعًا في إقحام الأولمبياد في متاهة من المخاطر لا تراعي المشاعر.

ومن دون الهرولة السياسية خلف من يلهبون مشاعر "الحَبّة" لتصبح على بُعد عام على انطلاقة أولمبياد باريس بحجم "القبة"، يدرك ويعي عمدة باريس أن من بين من يدّعون وصلًا بباريس يسعون إلى تسييس الأولمبياد وحرمان مدينة النور من الفوز بالعلامة الأولمبية الكاملة.

ولطالما كان المعسكر الغربي من الذين ينتمون إلى حلف الناتو يرددون بضرورة فصل الرياضة عن السياسية عندما يتعلق الأمر بمصلحةٍ يجنون من ورائها فوائد على حساب مصائب قوم آخرين، لكن عندما يشعر هؤلاء الذين يعزفون على وتر حقوق الإنسان بخطر يتعارض مع توجهاتهم ومصالحهم يتحولون إلى ما يشبه نيرون الذي أحرق روما في لحظة جنون، وعندما أفاق من سكرته وجد نفسه بين الرماد.

فرنسا نفسها تمضي منذ سنوات على قدم وساق لتقديم أجمل دورة أولمبية في التاريخ، وحتى هذه الأمنية مرتبطة للأسف بمكايدة سياسية، فمنذ أن قدم التنين الصيني دورة إعجازية عام 2008 والغيرة تأكل كبد عمدة باريس، ولن يشفي غليله إلا دورة مماثلة تضع أولمبياد باريس في كفة بعيدة عن المقارنة مع أولمبياد بكين.

أذكر جيدًا أن فرنسا واحدة من الدول التي سعت إلى تسييس أولمبياد بكين، ولم يستطع أحد منعها من تجاوز كل الخطوط، تارة تعزف على نوتة حقوق الإنسان، وتارة أخرى تنفخ في رماد قضية (التبت) بحثًا عن إيقاظ فتنة نائمة.

وعندما فشل الغرب في توظيف ورقة حقوق الإنسان للنيل من التنين الصيني في ذلك الوقت، حاول الغرب النفاذ من خرم إبرة قضية التبت إلى جسم سور الصين العظيم، فتكللت تلك المحاولة بالفشل الذريع، على خلفية أن الصين أدهشت العالم بأولمبياد رفعت من قيمة الصين كدولة عظمى وهبطتْ بِنيّات الغرب إلى أسفل السافلين.

وعلى فكرة، توماس باخ مثله مثل عمدة فرنسا يرى في حرمان الرياضيين الروس بالذات من ذوي الصولات والجولات من المشاركة في أولمبياد باريس خيانة أولًا للقَسَم الأولمبي، وثانيًا إبهاتًا للدورة نفسها، باعتبار الرياضيين الروس نكهة الملاعب المفتوحة والصالات المغطاة، وغيابهم بفعل الألاعيب السياسية من شأنه أن يؤثر في التقييم النهائي لباريس.

وإذا كان توماس باخ بين نار السياسة التي تطل برأسها فتفسد القيم والمبادئ، وجنة الانتصار لمبادئ وأهداف محيي الألعاب الأولمبية الحديثة البارون بيير دي كوبرتان في قبره بأي ثمن، فليس أمامه إلا أن يحارب ويستميت في الدفاع عن الميثاق الأولمبي ضد أشباه البشر ورعاة البقر، لأن أي تراجع أو خضوع لضغوط دولية سياسية يعني تشييع الهدنة الأولمبية التي ننتظرها كل أربع سنوات بفارغ الصبر إلى مثواها الأخير.

سأكون حريصًا أكثر من الفرنسيين على مشاركة الرياضيين الروس في أولمبياد باريس لسببين:

الأول: لأن مشاركة الرياضيين الروس تحت علم محايد تعني أن حجج السياسة تتبخر كخيط دخان أمام تماسك مبادئ وأهداف وميثاق شرف اللجنة الأولمبية الدولية.

والثاني: لأنني أريد أن أخرج لساني مع الفرنسيين للسياسيين الأمريكيين الذين يسعون بقضهم وقضيضهم لتلويث سمعة باريس، أملًا أن تبقى أولمبياد نيويورك الفارطة آخر أولمبياد محترمة.

هناك من بين الحلفاء من لا يريد لدورة باريس أن تنعم بالسلام وتترجم رسائل الأولمبياد إلى واقع، وهؤلاء يسعون إلى شيطنة الرياضيين الروس بحجج سياسية تخالف مبادئ الدورات الأولمبية، وهم بهذا الفعل يسعون إلى استنساخ تجربة مونتريال 1976 وموسكو 1980 ولوس أنجلوس 1984 وأتلانتا 1994.

لم يبقَ أمام عمدة باريس إلا الاستنجاد بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للتدخل بثقله السياسي وتهدئة اللعب مع الحلفاء، حفاظًا على الأولمبياد من شر مستطير، على أمل أن يقنع معسكره الغربي برؤية رئيس اللجنة الأولمبية الدولية، فمشاركة الرياضيين الروس والبيلاروس في أولمبياد باريس تحت علم محايد لا يعني التخلي سياسيًّا عن أوكرانيا، بقدر ما تمثل انتصارًا أولمبيًا لدولة ما انفكت تروج أنها بلد العدالة والحريات.

شارك: