الكرة الكويتية: لا أفتش مغطى ولا غطي على مفتوش..!

2023-02-03 20:10
المنتخب الكويتي حامل اللقب القياسي في عدد الألقاب بكأس الخليج العربي (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

أعترف وأقر أن علاقتي بالكرة الكويتية انقطعت تماما منذ أن علَّق المرعب جاسم يعقوب حذاءه دوليا، قبل أن يحذو اللاعبون: فيصل الدخيل وعبد العزيز العنبري ومحبوب جمعة وفتحي جميل حذو المرعب.

غير أنني في خليجي 25 بالبصرة حاولت إقناع نفسي بأن الجيل الحالي لكرة قدم فيها ما يغري على متابعة مباريات الأزرق، لكنني للأمانة ندمت كثيرا؛ لأن مشاهدة مباراة لهذا الجيل تندرج تحت مخاطر صحية العبد لله في غنى عنها.

حاولت أن أوهم نفسي بأنني سأشاهد على الأقل نسخ معدلة من عبد الله البلوشي ونعيم سعد ومؤيد الحداد وسعد الحوطي والطرابلسي ومحمد كرم ويوسف سويد وناصر الغانم وبشار عبد الله والهويدي، غير أنني لم أجد أمامي سوى لاعبين يطبقون نهجا من الكر والفر والإقبال والإدبار إلى آخر معلقة امرئ القيس. 

وحاول بعض أصدقائي الكويتيين مساعدتي في هضم ما أشاهد من فوضى وارتجال بالعودة إلى أمجاد أغنية (أوه يا الأزرق العب في الساحة)، لكن محاولاتهم المستميتة باءت بالفشل؛ لأن أزرق زمان يحتل كل مساحة ذاكرتي، أما (أزرق) الحاضر فاستعصى هضمه على معدتي.

اعتقد بعض الأصدقاء من الذين يكنون تقديرا كبيرا للكرة الكويتية أن حصول الأزرق الكويتي على أربع نقاط من مجموع ثلاث مباريات أمر جيد، يضخ في جسد الكرة الكويتية ليترات من دماء العودة الحارة، غير أنني لم أغير رأيي ولم أتحمس لتفاؤلهم على اعتبار أن الأزرق وقف وودع البطولة من دورها الأول، ثم تدحرج عالميا إلى المركز الـ146، وفقا تصنيف الفيفا لشهر يناير/ كانون الثاني.

في لحظة بلغ فيها الإحباط مبلغه، سألت نفسي: لماذا تسير الكرة الكويتية القهقرى؟ ما تكاد تخرج من (حفرة) حتى تسقط في (دحديرة)؟

حدسي يحفزني على اختزال مشكلة الكرة الكويتية في ذوي القربى الذين قفزوا بمظلة المحسوبيات إلى ميدان الإدارة الرياضية دون وعي وخبرة، من هنا تبقى مشكلة المشكلات أن الثقة لا تمنح للذين يفهمون ويقرؤون طلاسم الإدارة الرياضية.

مشكلة الكرة الكويتية التي استحالت إلى أزمة مستحكمة الحلقات تلك المماحكات الإدارية وأساليب الكيد والكيد المضاد التي استنزفت الكثير من سمعة الكرة الكويتية.

تتوالى الأزمات المفبركة والمصطنعة على الكرة الكويتية، وكل لجنة جديدة تخلق أزمة بفعل فاعل، وكلما تنفس الشارع الرياضي الكويتي الصعداء وقال عساها تنجلي، قالت الأيام هذا مبتداها.

كل كويتي يراقب صراع العقارب في مبنى الاتحاد الكويتي يعلم أن الصراع في الأصل صراع تكتلات ومواقع، وما دام النافخون في الكير يتحكمون في خيوط المشهد الرياضي، فمن الطبيعي أن تدفع الكرة الكويتية الثمن من معنوياتها التي هي أصلا في الحضيض.

لم يعد في وسع اتحاد الكرة ترميم البيت من الداخل وضبط بوصلة الكرة الكويتية باتجاه النظام وتفعيل العمل الإداري الاحترافي، فعندما تحل مشكلات اللجان والاتحادات المتعاقبة ضيفا ثقيلا على مجلس الأمة، فابشروا بالمزيد من المناطحات وتصفية الحسابات. 

تذكرون زمان وصل الكرة الكويتية حين كانت آسيا تهتز عن بكرة أبيها وأمها أمام عظمة المنتخب الكويتي، الذي كان أول منتخب عربي وخليجي يقلم أظافر منتخبات الشرق ويحتل ريادة القارة على بساط الجدارة والاستحقاق. 

وتذكرون معي الشهيد الشيخ فهد الأحمد الجابر الصباح، رئيس الاتحاد الكويتي في ثمانينيات القرن الماضي، الذي كان أول من هز عرش الفيفا في مونديال إسبانيا 1982، هذا الشيخ الوقور الذي كنت أصفه دائما بالديكتاتور العادل؛ لأن قبضته التي تنتصب في ساحات الكويت وتحمل تحدي (كويتي أنا)، كانت قانونا تستمد منه الكرة الكويتية هيبتها ووقارها.

تمعنوا اليوم في مشهد الكرة الكويتية الحزين وما تعانيه من ظلم ذوي القربى، ستجدون شخصيات هلامية تغذي الخلافات وتثقل كاهل اللجان بدخلاء يعانون أمية إدارية.

وانظروا إلى مسابقات اتحاد الكرة ستجدون العجب العجاب، فالمسابقات الكروية عقيمة وتدار بعقول بينها والعمل الاحترافي الممنهج عداء يفوق عداء القط (توم) للفأر (جيري).

في تصوري أن الأندية في الكويت -البلد الديمقراطي بامتياز- بحاجة إلى جمعيات عمومية فعالة تشارك فكريا في صناعة القرار، وليست بحاجة إلى جمعيات دمار شامل تقتل الكرة الكويتية وتمشي في جنازتها.

الكرة الكويتية في ظل كثرة المنازعات وفوضى التدخلات أقرب إلى منزل ضاق على ساكنيه، وكلما فتحت باب غرفة لجنة من اللجان تجد حربا دائرة لا هوادة فيها، ولا تتوقف المعارك الداخلية التي بلغت قلوبها الحناجر عند حد الإخوة الأعداء، بل إنها تزحف وتطير إلى الأندية المغلوبة على أمرها، فتنتج محاكات تأخذ طابع تكسير العظام.

وبالمناسبة أنا أكثر تعاطفا مع عبد الله الربيع، رئيس الاتحاد الكويتي الحالي، ويسعدني أنه وضع يده على مكامن الداء، لكن ماذا عن الدواء الناجع المتمثل في رأب الصدع؟

شأني شأن كل كويتي محب للكرة الكويتية، أتمنى أن ينتهي خريف الخلافات ويصلح (الربيع) ما أفسده عطارو المشكلات حتى يتسنى لنا الغناء مع سعاد حسني (الجو بديع والدنيا ربيع قفل لي على كل المواضيع)، لكن هذا مرتبط بنوايا من يحيطون برئيس الاتحاد الجديد، وبقدرة أعضاء المجلس على كبح جماح من يتفننون في صناعة الأزمات وبراءة الأطفال في أعينهم.

تبقى الإشكالية المزمنة تتعلق بالعمل التبعي النرجسي الذي يصاحب العمل في دهاليز الإدارة، ففي ظل غياب الإدارة المتخصصة من ذوي الشأن الكروي تسلقت الطحالب الفاترة جدران الكرة الكويتية وسط ضجيج جمعيات عمومية نسمع جعجعتها كل دورة انتخابية ولا نرى طحينها.

ذات صيف ساخن ضيعت فيه الكرة الكويتية لبنها، صرخ النائب مرزوق الغانم متماشيا مع نغمة (حط أصحابك في الغربال)، قائلا: "على كل شيخ يعمل في الرياضة أن يخلع بشته في الخارج".

ومغزى عبارة (المرزوق) تحمل دلالات كبيرة في عمقها؛ لأنها بالفعل لامست وتر أغنية الفنان أبو بكر سالم (لا أفتش مغطى ولا غطي على مفتوش)، كما أنها فضحت منسوب الخزعبلات الإدارية المتراكمة منذ أن تحولت الانتخابات إلى مزاد ينتصر للإداري النطيحة والفني المتردية، وفقا شعار: "عك..يعك..عكا".

الفاضح والواضح أن وراء مضغ الأزمات ومزرعة تفريخ المشكلات فكرة عبثية انتهازية، لكنها على أي حال فكرة جهنمية تتوارى أمامها مغريات إبليس خجلا وكسوفا.

رأس الفكرة وجذعها وأطرافها أن بعض الأعزاء في الجمعية العمومية لاتحاد الكرة اكتشفوا على طريقة الأخوين (رايت) أن الاستلقاء على مخدة أسهل من تسلق قمة جبل إيفرست، وأن إشغال الجمهور بالأزمات أسهل من إعداد وتجهيز منتخب يرفع رأس الكويت وينشر السعادة في كل بيت.

وحيث إن الجهل طول الزمان عيب، فالمطلوب نبذ الخلافات وترحيل الأزمات والعمل بروح الفريق الواحد، وعلى رئيس الاتحاد الحالي الذي جاء على انقاض لجان (حانا) و(مانا) وما ترتب على ذلك من ضياع كل (اللحى) الكويتية أن يفهم أن العمل الإداري كما أنه علم وفن و"بزنس" وشروط ووفاء، فهو أيضا حقوق وواجبات والتزامات وقانون.

أعتقد أن الطريق أمام عبد الله الربيع بات واضحا، وعليه الاختيار بمحض إرادته بين أمرين: إما السلامة بتنظيف الكرة الكويتية من أوكار المحسوبيات، أو الندامة بالمضي قدما في سكة "اللي يروح ما يرجعش".

شارك: