الإسبان يشعلون ثورة الكرة العراقيّة

تحديثات مباشرة
Off
2023-06-04 17:48
جانب من مباراة تجريبية للاعبي الفئات العمرية في العراق (Iraq F.A)
إياد الصالحي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

من حقِّ الجمهور، أي جمهور يتنفّس الحُريّة على الكرة الأرضيّة، أن يتساءَل ويُدقّق ويُشكّك ويتحرّى حول مسودّة بنود أي مشروع عام يُكلِّف حكومته والمؤسّسة المعنيّة به ملايين الدولارات لحمايتها من التلاعب والضياع بعيداً عن اتهام المُتصرّفين بالأموال بالسرقة وشراء الذمم قبل أن تتّضِح الأهداف والأبعاد وراء التخطيط والتخصيص، فليس كُلّ الناس تحت الشُبهات، ثُمّ إنّ محكمة الشعب لا ترحم المتورّطين بخرق الأمانة الماليّة، والتاريخ يُنبِذ الفاسدين مهما طال زمن التستّر عليهم أو خدعوا المُحيطين بهم بمبادئ مُزيّفة.

من المؤمّل أن تشهد قرية دجلة، وسط العاصمة بغداد، اليوم الأحد، الرابع من يونيو/ حزيران 2023، رعاية المهندس محمد شياع السوداني رئيس مجلس الوزراء العراقي، حفل توقيع اتحاد كرة القدم عقديّ الشراكة مع رئيس رابطة الدوري الإسباني خافيير تيباس، يخصُّ العقد الأوّل تطوير مسابقة الدوري العراقيّ، والثاني يُنفِّذ مشروع الحُلم 2030 للفئات العمريّة، وسط اهتمام إعلامي وجماهيري أنقسم إلى مؤيّد ومُعارض خطوة رئيس الاتحاد عدنان درجال غير المسبوقة في تاريخ الكرة العراقيّة، والمتأخّرة للحاق بالدوريّات الكرويّة المُحترفة وأبرزها دوري نجوم قطر ودوري روشن السعودي ودوري أدنوك الإماراتي.

بالنسبة إلى المؤيّدين، فهُم يرون في توجُّه رئيس اتحاد اللعبة جُرأة مطلوبة تقطَع أسلاك شائكة أعاقت تطوير الكرة ومفاصلها، وأسهمتْ في تراجعها واحتلالها المراكز غير المُرضية على صعيد الأندية وصراعها الأزلي في المسابقة الأولى (المُمتاز) التي انطلقت عام 1974 بانتظام وفقاً لمنافسات فرق الهواة؛ حيث اكتسبت أربعة أندية في العاصمة الدعم الجماهيري وهي (الزوراء والقوة الجوية والطلبة والشرطة) فضلاً عن أندية "محافظاتيّة" أخرى مثل الميناء وصلاح الدين ودهوك، وجدت لها مكاناً في منصّة الأبطال.

ورغم قِدَم تأسيس عديد الأندية العراقية، إلا أن رؤساء إداراتها تكاسلوا في الشروع باستقلالها؛ خشية عدم تمكّنهم من توفير الأموال اللازمة لتسيير أمورها، فظّلتْ تعتاش على منح الحكومة من خلال مظلات الوزارات الراعية لمصالحها الإداريّة والماليّة لأكثر من نصف قرن، إذ لم تتقدَّم ياردة واحدة في طريق تنفيذ شروط الاتحاد الآسيوي لكرة القدم التي تُلزمها بالعمل الاحترافي داخل منظومة الاتحاد.

أمّا المعارضون لتنفيذ المشروع لهم مُبرّراتهم المنطقيّة أيضاً، فأغلب الأندية الرياضية في العراق لا تمتلك ملاعب ومقرّات خاصّة بها، وتعاني من تراكم الديون بسبب عدم إيفاء المدرّبين واللاعبين بالمبالغ المتبقية من عقود المواسم الماضية، ووجدوا أن بيئة اللعبة غير مهيّئة لافتتاح النسخة الأولى من دوري المحترفين العراقي، وحذّروا من أن عدم استقلاليّة الأندية مالياً يخلُّ بشروط وجودها بين فرق الدوري الاحترافي، ناهيك عن صعوبة تحوّل الأندية إلى شركات خاصّة في ظلّ سريان قوانين انبثاقها تحت أجنحة مؤسّسات الدولة بالشكل الذي يتعارض مع توصيفها اعتباريّاً وقانونيّاً.

الطرفان (المؤيّد والمُعارض) توحَّد خطابهما في مُطالبة اتحاد كرة القدم بالكشف عن البنود الرئيسة في الشراكة حسب النسخة الإنجليزيّة المُتفق على صياغتها، وليست النسخة العربيّة التي سُرِّبتْ للإعلام ومواقع التواصل قبل 72 ساعة من حفل التوقيع! فثمَّة شكٍّ في استغلال رابطة (لا ليغا) بعض البنود لمصلحتها ما يُسبِّبُ ضرراً مؤثراً للاتحاد رُبّما يؤدّي الى إخلال الرابطة باتفاقها من طرف واحد وإنهاء أعمالها بالوقت الذي تشاء قبل انتهاء المشروع حتى إن قبضت قيمة المبلغ المدفوع من قبل الاتحاد العراقي البالغة خمسة ملايين و500 ألف يورو من دون بيان الأثر القانوني في حالة وجود تلكّؤ المفوّضين للعمل باسم (لا ليغا) في بغداد.  

ليست جديدة على المشهد الرياضي تلك الهجمات الإلكترونيّة من منصّات مواقع التواصل الاجتماعي وهي تستهدف أي عمل جديد لمؤسّسة رياضيّة لا تكشف عن تفاصيله مُبكّراً ولا تُصارِح الناس عن دوافعها وتتركهُ عُرضة للتأويل والطعن حسب زوايا الرؤية السليمة والخاطئة.

البعض استغلَّ مشروع (لا ليغا) لتصفية الحساب مع رئيس وأعضاء الاتحاد، وهناك من لا يريد للاحتراف أن يرى النور باعتبار أن ناديه مُستفيد من التكييف الإداري والمالي تحت غطاء مؤسّسة حكوميّة تمنحهُ مليارات الدنانير ضمن موازنة سنوية لا يقوى على توفيرها في ظلّ ظروف العراق حتى لو تمتّع ناديه بالاستقلال الكلّي، فالأمر ليس هيّناً ولا يُمكن هضمه فكريّاً بالنسبة لمُعارضي تنفيذ المشروع.

ما يُلفت الانتباه في عقد الشراكة بين رابطة (لا ليغا) والاتحاد العراقي لكرة القدم هو رعاية المسؤول التنفيذي الأوّل في حكومة العراق حفل التوقيع الحضوري للعقد بين الطرفين (الموقَّع إلكترونياً سابقاً) للدلالة على الاهتمام الرسمي الكبير بمشروع النهوض بصغار اللاعبين الموهوبين في مراكز المُحافظات ضمن إعداد مُبرمج بمنهجيّة احترافيّة تُنهي الآليّات البليدة التي دأب مدرّبو الفئات العمريّة والأندية المُشرِفة على تطبيقها منذ سبعينيّات القرن الماضي، كما أنه الحضور الفعلي الرسمي الثاني في تاريخ الاتحاد العراقي للعبة مُنذ إبرام الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية د.علي الدباغ يوم الثلاثاء 2 سبتمبر/أيلول 2008 الاتفاق مع المدرّب البرازيلي جورفان فييرا على تدريب أسود الرافدين لمدة عام واحد. 

نتمنّى أن تنجح ثورة الكرة العراقية العلميّة بشُعْلَة الخُبراء الإسبان، لتبلغ أعلى مستويات التطوّر وتكامل البناء الإداري والفني لجميع العاملين الوطنيين المستفيدين من المشروع وهُم ينزعون ثياب الهواة، أملاً أن تنعكس نتائج تأنّقهم احترافيّاً على الأندية والمنتخبات بعد سبعة أعوام باحتلالها المراكز المتقدّمة دولياً.

شارك: