أزمة اتحاد الكرة الجزائري ووزارة الرياضة... الحقيقة الكاملة

2021-06-08 09:01
وزير الرياضة الجزائري سيد علي خالدي (وسط) رفقة المدرب جمال بلماضي ورئيس الاتحاد خير الدين زطشي (Facebook)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

تعيش منظومة كرة القدم في الجزائر على وقع أزمة شديدة بسبب الصراع القائم بين اتحاد كرة القدم برئاسة خير الدين زطشي ووزارة الشباب والرياضة بقيادة الوزير سيد علي خالدي.

وانتهت حالة الترقب التي عاشها الطرفان فيما يتعلق بالتعديل الحكومي الذي أقرته الرئاسة الجزائرية أمس الأحد بالإبقاء على وزير الرياضة سيد علي خالدي ضمن الجهاز الحكومي الجديد ليحسم الأمور لمصلحة الوزير الشاب ولو بشكل مؤقت، إذ كان كل من الاتحاد والوزارة ينتظر نتائج التعديل الحكومي للتموقع من جديد في سبيل تحقيق كل طرف لأهدافه بعد "معركة" ليّ ذراع مستمرة منذ أشهر، تضمنت حرب بيانات ومراسيم حكومية تنفيذية وتهديدات أدخلت طرفا ثالثا بالوكالة في المواجهة، وهو الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا".


بداية القصة، كانت بدخول الاتحاد الجزائري لكرة القدم في صراع مباشر مع وزارة الرياضة، بخصوص إصرار الأول على تعديل قوانينه الأساسية امتثالا- كما حرص على الترويج له- لتعليمات الفيفا، متجاهلا مرسوما تنفيذيا للوزارة ترفض فيه أي تعديل أو تغيير للقوانين أو الأنظمة الداخلية قبل انتخابات الاتحادات الرياضية ومنها اتحاد كرة القدم، وكان ذلك المحرك الجوهري للخلاف بين الهيئتين الرسميتين، وذهب الاتحاد إلى حد التلويح بعقوبات الفيفا لثني الوصاية عن خطوتها الإجرائية.

موقف جمال بلماضي وتفاصيل الصّراع


وفي خضم الحديث عن عقوبات محتملة من الاتحاد الدولي لكرة القدم على الجزائر تتجاوز الجانب الإداري إلى الشق الرياضي، وعلى رأسه المنتخب الجزائري، خلّف ذلك موجة استياء واسعة وصلت أصداؤها إلى المدير الفني للمنتخب الأول، جمال بلماضي، الذي عبر عن غضبه من الحديث عن هذا التهديد الذي سيضر بالمنتخب، كما طالب المترشحين لرئاسة الاتحاد بتجنب الزجّ باسمه في حملاتهم الانتخابية. 


وبلغت الأزمة ذروتها بإصرار اتحاد الكرة على تمرير تعديلات قانونية يرى أنها تخدم معايير الشفافية والنزاهة والمساواة، في حين يؤكد معارضوه وعلى وجه التحديد الأشخاص المحسوبون على الرئيس السابق محمد روراوة، أن هذه الخطوة تسعى لقطع الطريق على أسماء معينة من الترشح لرئاسة الاتحاد ومنافسة زطشي، الراغب في البقاء لعهدة جديدة، خاصة التعديلات القانونية المتعلقة بتحديد سن الراغبين في الترشح عند الـ70 عاما وضرورة عملهم في الميدان خلال الثلاث سنوات الأخيرة دون انقطاع.

وفي المقابل يرفض معسكر زطشي رفضا قاطعا التنازل عن الإمساك بمقاليد الاتحاد، بل ويرغب في حصول القيادة الحالية على ولاية ثانية، إذ ينظر لهذا الأمر كـ"حق مشروع"، كونه كثيرا ما روّج عبر مؤيديه بوسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي أن من يحرّك خيوط اللعبة من وراء الستار ليس سوى الرئيس السابق محمد روراوة وأشخاص محسوبين عليه، يسعون -حسبهم- لـ"السطو" على إنجازات القيادة الحالية وأهمها التتويج بكأس أمم إفريقيا عام 2019، على مقربة من تصفيات كأس العالم 2022، والتي يعتبر منتخب الجزائر مرشحا بارزا لبلوغ دورتها النهائية التي ستجرى على أرض قطر.

belmadi khaldi
الوزير خالدي رفقة جمال بلماضي خلال لقاء سابق بمركز تحضيرات المنتخب بالعاصمة الجزائرية (Facebook)

واشتعل الصراع بين الطرفين يوم 8 يونيو/حزيران من العام الماضي، عندما أصدرت وزارة الرياضة الجزائرية مذكرة منهجية في منشور وزاري رقم 264 موجه لكل الاتحادات الرياضية دون استثناء، تمنع خلاله أي تعديل على القوانين الأساسية قبل أقل من سنة من إجراء الانتخابات، مثلما ينص عليه القانون 05- 13 المتعلق بتنظيم الأنشطة البدنية والرياضية وتطويرها، وذكرت الوزارة أن أي تعديل للقانون الأساسي يجب أن يكون محل موافقة الوزير المكلف بالرياضة، بناء على نصوص المرسوم التنفيذي رقم 14/330 في مادته 22.


أخطاء أم إقصاء متعمّد؟


والغريب في الأمر أن الاتحاد وبعد أن استنفذ كل الخطوات لتعديل قوانينه مع الفيفا، لم يرسل وثيقة تعديل النظام الأساسي في نسختها النهائية إلى الوزارة إلا يوم 11 يونيو/حزيران 2020 عن طريق البريد والبريد الإلكتروني، أي بعد 3 أيام فقط من صدور المذكرة المنهجية للوزارة، ما يطرح أكثر من علامة استفهام بخصوص خطوات اتحاد الكرة في هذا الملف، إذ لم تقم خلالها باستشارة الوزارة بخصوص التعديلات وأطلعتها عليها فقط بصيغة الإشعار فقط لا الاستشارة، ما دام أنها جاءت بعد استنفاد كل خطوات تعديل القوانين مع الفيفا التي وافقت عليها بشكل نهائي. 

ولم يكن هذا الخطأ البروتوكولي والقانوني الوحيد للاتحاد في هذا الملف، بل تعداه إلى تجاوزات قانونية أخرى تمثلت في عدم استشارة الجمعية العمومية للاتحاد، الجهة المخولة قانونا بالفصل في هذه التعديلات من عدمها، رغم أن الاتحاد الدولي نفسه يؤكد دائما على ضرورة استشارة الجميع واحترام قوانين البلاد، وهي نفس الشروط التي يصر "الفيفا" على التقيد بها عند تعديل النظام الأساسي أيضا.


واعترف الاتحاد في بيان سابق له في أبريل/ نيسان 2020 بطريقة غير مباشرة بأنه لم يستشر على الإطلاق وزارة الرياضة، إذ نشر الاتحاد وقتها خارطة طريقة تعديل نظامه الأساسي التي انطلقت بزيارة ممثلين عن الفيفا للجزائر في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، وأتبعها الاتحاد الجزائري بمراسلات متبادلة بينه وبين الفيفا خلال الأشهر الأربعة التالية لتحديد النسخة النهائية للنظام الأساسي الجديد، وسط تهميش تام للوزارة ووضعها أمام واقع مفروض.


وزارة الرياضة وتهديدات الفيفا!


وحرصت الوزارة على رفض كل تحركات الاتحاد بخصوص تعديل النظام الأساسي، لأنها ترى أنها تحمل إجراءات غير ديموقراطية يراد بها ترجيح كفة الرئيس الحالي، خير الدين زطشي، خلال الانتخابات المزمع إجراؤها ما بين شهر آذار/ مارس أو نيسان/أبريل المقبل على أقصى تقدير، ولو أن زطشي لم يعلن لحد الساغة ترشحه لعهدة جديدة بشكل رسمي، واكتفى بتأكيد ذلك لمحيطه الذي يسعى جاهدا للترويج لعدم ترشح زطشي لولاية أخرى قصد إبعاد الضغط عنه وامتصاص الغضب الذي طاله على خلفية فشله في كسب رهان الترشح لعضوية مجلس الفيفا بسبب ارتكابه خطأ في الإجراءات الإدارية.

Algeria (4)
منتخب الجزائر الأول في قلب الصراع بين الوزارة واتحاد الكرة (Getty)


آخر مستجدات الأزمة، كان تسريب خبر مراسلة جديدة بعثها الفيفا إلى اتحاد الكرة الجزائرية مطلع الأسبوع الماضي، تحمل تهديدات ضمنية بالعقوبة في حال لم يتم تعديل قوانين الاتحاد الجزائري قبل إجراء انتخابات الرئاسة، وهو الأمر الذي يثير الكثير من الريبة والغرابة، كون الفيفا أرسل ما بين يونيو الماضي وفبراير الحالي 3 مراسلات يهدد فيها بالعقوبة، وكأن الاتحاد الدولي "متفرّغ" فقط لاتحاد الكرة الجزائري وأزماته، دون باقي الاتحادات الأعضاء في الفيفا والتي تتجاوز 200 اتحاد!


سيناريوهات نهاية الأزمة


وكان معسكرا الصراع حاليا في كرة القدم الجزائرية ينظران إلى التعديل الحكومي باعتباره عاملا مهما للفوز بالمعركة، إذ كان يتمنى معسكر زطشي تعيين وزير جديد بدل الحالي، يكون مقربا منهم قصد تمرير مطالبهم ومن ورائها بقاء زطشي لولاية جديدة، في حين تمنى معارضو الاتحاد بقاء الوزير سيد علي خالدي وهو ما تحقق بالفعل، ما يعني أن مخططهم في "التخلص" من الرئيس الحالي للاتحاد الجزائري لكرة القدم، باتا قريبا من التجسيد.


في المقابل يرى متابعون للشأن الكروي الجزائري أن التعديل الحكومي لن يغيّر موقف وزارة الرياضة بخصوص رفضها تعديل النظام الأساسي للاتحاد قبل انتخابات الأخير في الربيع القادم، لأن الوزير خالدي حصن الإجراءات التي اتخذها وأعطاها صبغة الشرعية.


وأصدرت وزارة الرياضة الأسبوع الماضي بيانا منبثقا عن لجنة وزارية مشتركة تضم وزارتي الرياضة والداخلية، ويتضمن البيان مرسوما تنفيذيا واضحا يشمل كل الاتحادات الرياضية ويستند إلى قوانين البلاد، وأي محاولة لإلغائه ستكون بمثابة تجاوز لقوانين الدولة وانتقاص من سيادتها، خاصة بعد أن هددها معسكر زطشي بعقوبات من هيئة إنفانتينو.

telegram


 

شارك: