استخفاف ستيفين كاري.. يخلق الإبداع رغمًا عن الإحباط..!

تحديثات مباشرة
Off
تاريخ النشر:
2023-07-27 16:46
-
آخر تعديل:
2023-07-30 16:31
نجم كرة السلة ستيفين كاري (Getty)
وسام كنعان
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

«من أجل تحقيق أحلامي كان يجب أن يبقى رأسي منخفضاً ذاهباً بكل ما استطعت من حماس إلى العمل اليومي» ربما تكون هذه المقولة هي اختصار مكثّف لما أراد أن يقوله الوثائقي الذي يحبس الأنفاس Underrated (استخفاف- إخراج بيتر نيكس 110 د) وهو يحكي قصّة صعود ستيفين كاري بطل الدوري الأمريكي للمحترفين أربع مرات مع فريقه غولدن ستايت، وأفضل لاعب مرتين، وأعظم مسجّل للثلاثيات على مرّ العصور .  

ينطلق الفيلم من حديث أسطورة NBA ريجي ميلر عن اللحظة التاريخية التي أصبح فيها كاري أفضّل مسدد للثلاثيات في العالم، وتحطيمه الرقم القياسي، ثم يعود للغوص عميقاً في ذكريات نجم كرة السلّة العالمي، وكيف بدأ يتدرّب على يد والده اللاعب السابق الشهير، ديل كاري، والذي استخدم كلّ حكمته ليطوّر سلاحاً سرياً لولده يحتال فيه على بنيته الضعيفة.

وهي الرمية الثلاثية التي غيّرت مفهوم كرّة السلة في العالم، وجعلت الفرق كلّها تعتمد على الثلاثيات، خاصة أن كاري طالما تمكّن من تعديل الكفة لصالح فريق بثوانٍ معدودة من خلال إمطاره الخصم بثلاثيات مستحيلة، كما يترك الفيلم مساحة وافية لوالدته صونيا كاري التي أسهمت في تأسيس ولدها، وواظبت على علاقة عاطفية عميقة به جعلته يلمع منذ طفولته.

إذ كانت ترافقه في المدرجات وظلّت على هذه الحالة حتى أصبح من أهم نجوم العالم ولم تتوانَ عن مكالمته قبل كل مباراة والدعاء له وتعِده بأنها ستشاهده!

الشريط يركّز على التقارير الأولى التي أظهرت ضعف بنية الطفل كاري آنذاك وقصر قامته، وحاجته الماسة على تمتين بنيته العضلية في القسم العلوي من جسده، وعدم قدرته على لعب أدوار دفاعية، كذلك صعوبة تسجيله تحت السلّة.

كل هذا الاستخفاف سيتحوّل تباعاً إلى: «جزء أساسي تحفيزي ودافع صريح جعلني أستمر» حسبما يقول كاري نفسه في الشريط الذي يخلص إلى معادلة تقول صراحة إن الإبداع يمكن أن يولد رغماً عن الإحباط!

القصّة المترفة بدراما غنية تستمد تشويقها من صالات كرة السلّة، وحبسها الأنفاس، وتصوغ بنفس مدهش فصلاً غنياً من حياة أكثر لاعبي كرة السلة ديناميكية في التاريخ. وتركز على الجانب المظلوم إعلامياً في مسيرته، إذ تنطلق من اللحظة التي قرر فيها فريق جامعة ديفيدسون تحت إشراف المدرب Bob McKillop ضم كاري رغم عدم اهتمام دوري الجامعات به، ويحكي أحد الكادر التدريبي كيف اتصل مرّات عديدة بعد الاجتماعات والاتفاقات المبدئية، بينما امتنع الشاب عن الرد على الاتصالات لمدّة عشرة أيّام، لدرجة أعتقد فيها الكارد التدريبي بأن عرضاً أفضل قدّم له، لكن بعد هذه المدة ردّ ليقول: «بأن والدته منعت عنه الهاتف بعدما أرسل له أحد أصدقائه رسالة بذيئة!» الأم ذاتها ستظهر بكل ما تملك من كاريزما لتحكي كيف كانت دائماً تطالب ابنها بأن يحصل الشهادة الجامعية، وعندما كان يردّ عليها بأنه يتحصّل على البطولات، كانت تجيب:"انتظر بطولة الشهادة الجامعية!" وهو ما حصل فعلاً بعد سنوات طويلة احتفت به جامعته التي علّقت قميصه كنوع من التخليد لاسمه وإنجازاته خاصة أنه في عهده عاد الفريق للمنافسة بعد ابتعاده عنها سنوات طويلة! 

يمنح الشريط مساحة وافية لمدربه الأساسي في جامعة ديفيدسون Bob McKillop باعتباره عرابه الأوّل بعد والديه، والرجل الذي صبر عليه، وأعطاه الفرصة كاملة ليكرّس ثقته بنفسه بعدما قدّم مباراة أولى سيئة له مع الفريق، لكّن ذلك لم يفقد ثقة المدرب ولا زملائه به، وهو ما منحه الإحساس بالأمان وخلق لديه تحّديًا جديدًا جعله يواظب على الشغل حتى وصل إلى nba وهناك خلق مجده ودخل التاريخ من أوسع أبوابه. يطلّ المدرب بحضور دمث ليروي كيف كان يحرّض الشاب نحو تمتين إنجازه، ليتصاعد الحديث نحو ذروة درامية مؤثرة عندما يطلب من كاري في حفل وداعه أن يبقي قميص الفريق يلف قلبه على مرّ العمر .

فيما بعد يستعرض الفيلم سريعاً مسيرة كاري في الدوري الأمريكي، وتحقيق النجاح، وقطفه للقب الأغلى أربع مرّات، ويمزج بشكل مقصود بعض التحليلات المحبطة لفريقه غولدن ستايت، ويربطها بالتحليلات التي رافقته عندما قدم إلى nba وتلك التي حاصرته يوم قرر احتراف اللعبة في دوري الجامعات، كذلك يمرّ على إصابته التي أبعدته شهوراً عن اللعبة وجعلته يخضع لعملية جراحية في الكاحل.

فيما يختم الشريط حكايته في اللحظة الأبهى وهي عند احتفاله بالتخرج من الجامعة وحصده بكالوريوس في الآداب.
الوثائقي الذي يطوّع آلاف الفيديوهات والصور الأرشيفية لصالح بنائه الحكائي، وجوهره الدرامي، يمكن أن يكون من أميز الوثائقيات التي أنجزت في السنوات الأخيرة عن سير ذاتية للرياضيين، خاصة أنه لا يتخلى عن اللغة السينمائية المسبوكة على قالب الدلالة، والمشغولة بإحساس عالٍ، ولغة مرهفة تجعل المادة هدفاً محققاً للمشاهدة بأعلى درجات المتعة.

شارك: