واقعية البطلة العالمية خديجة.. وفيلم "روكي champion" الخيالي

2023-04-03 14:05
البطلة العالمية المغربية خديجة المرضي الفائزة بذهبية بطولة العالم للملاكمة بالهند (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

تبدو الملاكمة رياضة قاسية تحاكي الغرائز أولاً، ولكن ما من رياضة في التاريخ خاطبت الأدباء والفنانين كما خاطبتهم الملاكمة، فكتبوا حولها الكثير، وبعض عمالقتهم مارسها كهواية لبعض الوقت.

إنها أطول أنواع الرياضات عمرًا في تاريخ الإنسانية، ظهرت أولًا في وادي الرافدين ووادي النيل، ومنذ ذلك الزمن، لم تغب الملاكمة عن معظم الحضارات، الأديب الفرنسي ألبر كامو، الذي كان ملاكمًا هاويًا قال إن طقوس الملاكمة «تبسِّط كل شيء. الخير والشر، الرابح والخاسر».

ينطبق هذا على البطلة العالمية المغربية خديجة المرضي الفائزة بذهبية بطولة العالم بالهند، قصتها ليست كقِصص بقية الملاكمات والملاكمين، فهذه الفتاة البالغة من العمر 32 سنة، تحمل في قفازيها حلم والدتها التي توفيت بسكتة قلبية وهي تشجع ابنتها في قاعة الملاكمة.

وقع هذا المشهد المؤلم في أكتوبر/ تشرين الأول 2014، عندما فازت خديجة في إحدى مباريات دورة كأس محمد السادس الدولية للملاكمة بمدينة مراكش، فبعد تحقيقها الفوز في الدور ربع النهائي، اكتشفت خديجة أن والدتها، التي حضرت معها، قد دخلت في نوبة إغماء جرّاء فرحتها الغامرة بفوز ابنتها، ورغم محاولات إنقاذها، فإن الأم لفظت أنفاسها الأخيرة في مشفى المدينة.

قال مقربون منها إن الأم عبّرت عن اعتزازها بابنتها في فرحتها الأخيرة، فكان هذا الكلام دافعًا لخديجة، التي مسحت دموع الألم على فقدان أعزّ الناس إليها، واختارت إكمال مشوارها في تلك الدورة، كان القرار شجاعًا للغاية وأدهش الكثير من المتتبعين في تلك الدورة: من أين لهذه الملاكمة بكل هذا الصبر وهذا التصميم وهذه الإرادة حتى تنبعث من رماد الحزن وتشارك في اليوم الموالي في الدور نصف النهائي!؟ حيث حققت خديجة الفوز بكثير من الإصرار، ثم عادت في المباراة النهائية لتحرز اللقب وسط تعاطف كبير.

ظهرت خديجة المرضي قوية وهي توجه اللكمات وتستحضر حلم والدتها بأن تفوز بأكبر عدد من الألقاب، وظهرت أقوى وهي توجه كلامًا لأمها: لأجلك.. سأحقق المزيد من الألقاب.

لن ينسى متتبعو الملاكمة البطلة المغربية خديجة المرضى، إحدى صانعات مجد رياضة الملاكمة المغربية النسائية، تدريباتها الشاقة لضمان المشاركة في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية طوكيو 2020؛ بعد أيام قليلة فقط من وضعها لمولودتها الثالثة بعملية قيصرية، دخلت بعدها مباشرة في مرحلة الإعداد الشاق لإنقاص الوزن واستعادة لياقتها البدنية، للدفاع عن العلم الوطني بأرض "الساموراي" الياباني.

وأبانت البطلة المغربية خديجة المرضي عن عزيمة منقطعة النظير، حتى باتت حديث الساعة لكل المتتبعين، بعد أن قطعت على نفسها عهدًا بأن تصنع المستحيل، لضمان المشاركة في الأولمبياد بطوكيو، على الرغم من أن هذه الخطوة  تهدد صحتها في رياضةٍ تُعَدّ من بين "أعنف" الرياضات على الإطلاق .

وخسرت خديجة المرضي ما يقارب 20 كيلوغرامًا في زمن قياسي، رغبة منها في الوصول إلى "الوزن" الذي ترغب المنافسة فيه خلال دورة الألعاب الأولمبية، وهو مجهود قل نظيره بالنسبة للرياضيين، ما يؤكد العزيمة القوية التي تتمتع بها، من أجل إرضاء الشعب المغربي ورفع العلم الوطني عاليا في سماء أرض "الكمبيوتر" الياباني.

وانتظرت خديجة المرضي الساعات القليلة، التي سيحمل الخبر اليقين بخصوص إمكانية مشاركتها في الألعاب الأولمبية التي كانت ستنطلق بعد أيام، إذ كانت ما تزال تُمنّي النفس بأن تشارك في تلك الدورة على الرغم من صعوبة إن لم نقل "استحالة" المهمة، وكان التقرير الطبي المنتظر حاسمًا في مشاركتها من عدمها.

فرغبتها جامحة للمشاركة في دورة طوكيو، وهي مستعدة لتقديم روحها فداء للوطن فوق حلبة النزال، كما بحثت عن مشاركة مشرفة لتحقيق ميدالية للفن النبيل المغربي في هذا المحفل العالمي الكبير.

لكن مشاركة المرضي في الألعاب الأولمبية بطوكيو كانت بمثابة مخاطرة بصحتها، وفي ذات الوقت شعرت ببعض الآلام جراء الولادة.

وحاولت المرضي أن تجمع بين دورها في البيت كأم، تلتزم بإرضاع صغيرتها ثم تذهب إلى التدريب، على أن تعود مرة ثانية لإرضاع فلذة كبدها، كما تضع ثلاثة أحزمة على خصرها حتى لا تصاب في جرح الولادة، في مشهد يستحق منحها لقب "البطلة العصامية" عن جدارة واستحقاق.

ووسط زحمة كل هذه الأحداث، تلقت عرضين للاحتراف وحمل جنسية أخرى، عرض جاءها من أمريكا والثاني من إسبانيا، لقد طُلِب منها تغيير مسارها، لتدخل عالم الاحتراف وتمثل دولة أخرى غير بلادها؛ لكنها رفضت، لأنها راضية بقسمتها ونصيبها، ولأنها سيدة بيت متزوجة ولها بنات تسعد برؤيتهن، لذا التفكير في تغيير الجنسية أو استبدال المنتخب غير وارد في دماغها أصلًا، الحمد لله المغرب وفّر لها إمكانات تجعلها تعيش عيشة راضية ولا زالت بعض الأحلام تنتظر التحقيق.

فهل هذه البطلة العصامية لا تستحق فيلمًا مستوحىً من الواقع؟! إن تاريخ أفلام الملاكمة يعود إلى بدايات القرن الماضي، ومع تطور السينما تطورت معها طرق تقديم تلك النوعية من الأفلام، فلم تعد تركز على النزالات و"الأكشن" فقط، ولكن أصبحت تتضمن جوانب من النضال الشخصي، والتضحية والرحلة التي يخوضها الملاكم.

فقدمت هوليوود عدة أفلام عن الملاكمة تنوعت قصصها بين المستوحى من قصص ملاكمين حقيقيين، أمثال محمد علي كلاي وغيره، وبين القصص الخيالية مثل سلسلة أفلام روكي، وقدم كلا النوعين مجموعةً من المشاهد الرياضية شديدة الحماسية مع قصة درامية تستحق المشاهدة.

فتخيلوا معي فيلمًا يحكي قصة وواقع شموخ بطلة مغربية عربية أفريقية بكل لغات العالم... وبصيغة مؤنث لفيلم (روكي champion) مستوحى من الخيال إلى فيلم وقصة واقعية لخديجة المناضلة والمكافحة.

آخر الكلام... تحية للمرأة العربية الصامدة الشامخة.

شارك: