هل للفروسية ورياضة الخيل حضورٌ في الشِّعر العربي الحديث؟

2023-03-05 13:41
رياضة ركوب الخيل (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

قد يتفاجأ كثيرون حين يسمعون أن للرياضة حضوراً في دواوين الشعر العربي الحديث، فمن الطبيعي أن تحضر في الشعر الجاهلي، فقد كانت ركناً أساسياً من أركان الحياة آنذاك، لكن ماذا عن الشعر الحديث؟ 

نعم، للفروسية حضور في الشعر الحديث أيضاً، قد لا يوازي ولا يقترب من كمِّ ونوع الحضور الذي حظيت فيه في الشعر القديم، لكنّها حافظت على بقائها وحضورها المميز عبر عصور الشعر العربي كلها؛ فمن الشعراء الحديثين الذين احتلت الخيل مكاناً في أشعارهم -مثلاً- بطرس كرامة، وإبراهيم بنعزوز الذي يؤكد أنّ ركوب الخيل يُعدّ من أمّ الفنون في فكر العرب، وهو جزء مهمٌّ من حضارتهم وتراثهم؛ إذ يقول:  
أَخـذَ الـنَّـاسُ يَـسـألـونَ شُـهــودا    ***     كَيـفَ كانـت حضارةُ الخَيلِ عندي
أَنـا أُمُّ الـفُنـــونِ في فِـكــرِ قـومـي    ***     ومن بـعضِ الـفُـنُـونِ ما كـانَ رفـدِي
وجِيـادي غُـرٌ وعهدي عصـورٌ     ***      ونصوصي مَـحفوظَـــــةٌ حِفـظ وِردِ

ثم يُكمل في القصيدة نفسها فيعدّد بعض البلاد العربية التي جَرَت فيها الخيول العربية ولها فيها قصص عِزٍّ وحكايات بطولات وأمجاد لا ينساها التاريخ؛ فيقول:
ورُبـــوعٌ لَــو أَنـطَـقــوها لَـقـالـتْ     ***       ها هُنـا كانَـت رايــــــاتي وجُندِي
في عِراقٍ جَرَت جيـادٌ كما في     ***       نَــهــرِ نـِيـل، وفي حِـجَـــــــاز ونَــجْــدِ
في عُمان وحَضرَموتٍ وشام     ***       فـي بِـقــاع، وفـي خَــــلـيـل ومَـهــدِ
إِنَّـني في الـقُـرَى أقصُّ عَلَـيــهــم     ***       قصصــا من كـتـاب عِــزٍّ ومَـجـــــــدِ

للرياضة عامة حضور لا يُستهان به في دواوين الشعر العربي منذ عصر الجاهلية امتداداً إلى العصر الحديث، ووصولاً إلى يوم الناس هذا؛ إذ جادت قرائح الشعراء في موضوعات رياضية متعددة، وتطرق بعضهم إلى أنواع وأنشطة معينة من الرياضة في قصائد كاملة، واستعان بعض الشعراء بمفاهيم الرياضة ومصطلحاتها في إبداع التشابيه والاستعارات والكنايات التي تخدم الهدف والموضوع الشعري الأساسي الذي يَنْظمُونَ القصيدة من أجله.

وما يميز الأشعار التي تناولت موضوعات رياضية أو اقتربت منها أنها واضحة بيِّنةٌ سهلة التحديد، سواء أكانت في قصيدة جاهلية أو في قصيدة نثرية، فلا غموض ولا تعقيد ولا رموز تحتاج إلى تكثيف في القراءات وسعة في الاطّلاع حتى يتمكن المرء من استكشافها وإظهار وظيفتها الشعرية المطلوبة منها.

قد يتساءل الناس: هل هناك أمّة أو شعب عُرف ارتباطه بالخيل على مدى التاريخ كالعرب؟ 
يُعرف أنّ العربَ على مدى التاريخ هم أولُّ مَن مارس الفروسية؛ إذ يُقال إن نبي الله إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام أول من ركب الفرس، وكان الحصانُ في حينها محضَ وحش في البريّة، وكانوا يخافون منه، ثم انتقلت الفروسية من العرب إلى غيرهم من الأُمَمِ والشعوب، ومن المعروف والمشهور عالمياً أن سُلَالة الخيل العربي الأصيل من أفضل سُلالات الخيل على الإطلاق.

إذن لا غرو أن يكون للخيل حضور في أشعار العرب ودواوينهم؛ فالشعر العربي هو ديوانهم وسجلّهم الباقي الذي خلّد أيامهم وحروبهم وأهم منجزاتهم وأحلك ما مروا به من ليال قاتمة أيضاً.

وقد جاء في الحديث الشريف عن رواية البخاري في صحيحه، وكذلك مسلم: عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الجَعْدِ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: (الخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الخَيْرُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ: الأَجْرُ وَالمَغْنَمُ). والمقصود من هذا الحديث الشريف أن الخيل التي تُجهَّز وتُعدُّ للجهاد في سبيل الله قد اقترن بها الخير وصاحَبَها ولازَمها إلى يوم القيامة، وهي في سعيها ذلك لا تخرج عن الأجر والغنيمة، وربما تظفر بهما معاً؛ فالأجر حاصل من أنّها كلما أكلت أو شربت أو مشت، كتب الله لصاحبها أجراً، وأما الغنيمة فهي عند تحقيق النصر على الأعداء وأخذ متاعهم وما لديهم من عدة وعتاد وأموال.

يدلّنا الحديث الشّريف السابق على أهمية الخيل في حياة الإنسان عامّة، والمسلم خاصّة، حتى إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصانا بتعليم أبنائنا ركوب الخيل وتشجيعهم على ذلك، إذ قال ﷺ: (علّموا أولادكم السباحة والرّماية وركوب الخيل)، بغض النظر عن الخلاف الدائر حول صحة هذا الحديث وصحة نسبته إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام أو نسبته إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإنّه قول صائب يوافق فطرة الإنسان في سعيه نحو حماية نفسه وتقويتها وتحصينها لمواجهة أي خطر قد يحدق بها.

ومن فوائد رياضة ركوب الخيل الجسدية والنفسية ازدياد ثقة الإنسان بنفسه وشعوره بالاستقلال والمسؤولية والقدرة على القيادة والتوجيه، كما أن فيها إعمالاً للعقل لتنفيذ أنجع الحركات الملائمة للفرس الذي يمتطيه المرء، والقدرة على تفهّمه وتوجيهه بما يناسبه، ومن فوائد ركوب الخيل المحافظة على استقامة البدن وتدريبه على التوازن والمرونة في الحركة حين يتطلب الأمر ذلك، ولا يخفى على أحد ما تتطلبه رياضة الفروسية من شجاعة وبديهة حاضرة للتعامل مع مختلف أنواع الطرق المسلوكة.

ومما يحضرني من حديث الفروسية الشعري قصيدة من العصر الحديث للشاعر بطرس كرامة، يقول في مَطلعها:
غَدَوتُ مُتَيّماً وصَبَا فُـــــؤادِي   ***    لِـعَـادِيةٍ من الـجُـردِ الـجِـيادِ
منَ الـخَيلِ النَّجِيبـــاتِ اللَّـَواتِي   ***     نَـشـــأنَ مَعَ الـنَّعـامِ بِكُلِّ وَادِي

وهي قصيدة مؤلفة من واحد وعشرين بيتاً، يتحدث فيها عن فرسه ويصفها شكلاً ومضموناً، ويظهر إعجابه بها، ويترنّم بخصالها الفريدة، ويقصد من ذلك كلّه أن يصل إلى غرضه الشعري الأساسي، إذ أراد أن يمدح البشير أبا الأيادي، لكنه جعل نصف أبيات القصيدة خالصة لفرسه، ونصفها الثاني مناصفة في المعنى والمبنى بين ممدوحه وفرسه!.. وهذا يدلنا على عمق وسعة حضور الفرس لدى الشاعر وتقديمها عنده على ما سواها.

شارك: