قصّة أغرب مباراة في التاريخ لعبت من طرف واحد!
تاريخ كرة القدم... رحلة حزينة من المتعة نحو الواجب، فكلّما تطوّرت ھذه الرياضة إلى صناعة، جرى استبعاد الجمال الذي يُخلق من متعة اللعب لمجرد الترفيه وصوغ المزاج! باتت كرة القدم الاحترافية تستنكر كلّ ما هو غير مفيد، وفي عُرفها قانون يقول: ما يعجز عن الربح لن يحمل شيئًا من الفائدة!
من منا لا يتذكر الكرة التي رسم عليها النجم العالمي توم هانكس وجهًا ليؤنس منفاه القسري في فيلم cast away؟ ومن منا لم تحرث وجدانه دموع صاحبها، وهو يمطر فيها البحر الغاضب وجعًا لفراق كرته، بعدما أفلتت منه عند محاولته إنقاذ نفسه وتاهت؟ تخيّلوا كيف يمكن أن تعبّر الكرّة عن غضبها إذا سيّجها مكر السياسة!
لأن العالم محكومٌ دائمًا بعاصفة السّياسة ورياحها الّتي لا تعرف الاتّزان... كانت أكثر القواعد صرامة بالنسبة إلى الاتّحاد الدّوليّ لكرة القدم (الفيفا) تنصّ على فصل السّياسة عن الرّياضة التي تمثّل رسولَ سلامٍ لجميع شّعوب العالم.
لكنَّ هذا الشّعار لطالما ضُربَ عرض الحائط وكان موضع شكٍّ لما حدث في السّنوات الأخيرة؛ إذ قامت الفيفا بتعليق عضويّة الاتّحاد الرّياضيّ الكويتيّ لكرة القدم عام 2015، بحجّة أنّها وجدت بندًا في القانون الكويتي ينصّ على تدخّل الدّولة في الرياضة وهذا ما ترفضه الفيفا تمامًا.
لكنّها ربّما تكون تجاهلت قواعدها تلك بحسب بعض المراقبين عندما قرّرت مُعاقبة مُنتخب روسيا واستبعاده من بطولة كأس العالم في قطر 2022، لتحمّل اللاعبين والجماهير أوزار حربٍ لم يكن لهم يد فيها.
على كلّ ربما تكون أغرب مباراة كرة قدم جرت في التاريخ قادتها رياح السياسة؛ لأنها جرت بطرف واحد دون منافس وكان يفترض أن تجمع التشيلي والاتحاد السوفيتي الفريق الذي تأسس سنة 1924 والذي مرّ بلحظات درامية عديدة خلال بطولات كأس العالم لم يكن يعتبرها البعض بأنها بريئة؛ إذ جعلت السياسة الروسية جميع مفاصل البلاد تدفع أثمانًا باهظة!
أما عن قصّة تلك المباراة الغريبة، فحدث ذلك عندما كانت الظروف السّياسيّة في تشيلي لا تُبشّر بالخير قبيل مونديال عام 1974؛ لأن سالفادور أليندي رئيس تشيلي آنذاك والّذي كان اشتراكيًّا يعملُ تحتَ بركة الاتّحاد السّوفييتيّ قد سقط بانقلابٍ عسكريٍّ نفّذه القائد الأعلى للجيش أغوستو بينوشيه.
حيث أعلن بينوشيه تشيلي دولةً رأسماليّة، وتفنّن بالانتقـام والتنكيل بأنصـار الرئيس السابق، وجميع الاشتراكيين في البلاد، وقتـل منهـم الآلاف دون أن يستثني الأطفال والنساء، كما أقام معسكرات مخصصة للتعذيب كـان أشهرها على أرض الاستاد الدولي لكـرة القدم في العاصمـة سانتياغـو... في هـذا الوقت كـان العالـم الرياضي مشغولًا بتصفيات مونـديال 1974؛ إذ وقع منتخب السوفييت في المجموعـة الأوروبيـة التاسعة إلى جانب منتخبي إيرلنـدا وفرنسا وتمكّـن من حسم الصدارة بسهولـة، ليصبح أمامـه خطوة واحـدة لضمان تأهلـه وهي تجـاوز منتخب تشيلي.
استضافت موسكـو مباراة الذهـاب وانتهت المواجهـة بالتعادل السلبي، وقبل موعـد مباراة الإياب في تشيلي والتي كـان من المقرّر أن يستضيفهـا ملعب سانتياغـو الدولي، رفض منتخب السوفييت خوض المباراة في هـذا الملعب الذي سبق أن استخدم لتعذيب رفقاهم وأنصار الرئيس الأسبق، بينما تمسّكت تشيلي من ناحيتها بقرار عدم استبدال الملعب وأيّدتها بذلك الفيفا؛ إذ أرسلت لجنةً شكليّة تفحّصت الملعب وأعلنت جاهزيته لاستقبال المُباراة.. فأصرّ الاتّحاد السّوفييتيّ على موقفه حتّى لو كلّفه الأمر خسارة فرصة المشاركة في كأس العالم.
وبما أنَّ الخصم قرّر الانسحاب وعدم الحضور، كان لا بُدَّ أن تُلغى المُباراة وتتأهّل تشيلي مباشرةً.. إلّا أنَّ الفيفا شدّت على يد بينوشيه وارتأت إقامتها بمُنتخبٍ واحدٍ فقط! وبالفعل جاء الموعـد المُحدّد وحضر منتخب تشيلي وحده وجمهوره يملأ المُدرّجات، عُزف النشيد الوطنـي، وألقى اللاعبـون التّحيّة للجماهير، ليُعلن الحكم بداية المُباراة. انطلق لاعبـو تشيلي في هجمـة على نصف الملعب الخاوي أمامهم، وقاموا بعدة تمريرات حتى وصلـوا إلى المرمى الفارغ وسجلـوا هدفًا. ليطلق حكم المباراة صافرته مرّةً أُخرى معلـنًا نهاية التّحدّي وتأهل التشيلي إلى المونديال... لتكون هذه المُباراة هي الوحيدة من نوعها في تاريخ المستديرة وأغرب المباريات التي لعبت من طرف واحد!